نشر موقع «إيلاف» الإلكترونى تحقيقاً عن التصحر، ذكر فيه أرقاماً مذهلة ومخيفة ومفزعة، لابد أن يقرأها كل مصرى بعين الاعتبار والاهتمام والجدية، أخطر هذه الأرقام هو «ثلاثة أفدنة ونصف تفقدها مصر كل ساعة، مما جعلها أول دولة على قمة العالم فى معدل التصحر»!! رقم لابد أن نبكى حين نسمعه، لابد أن نضعه على شاشات فضائياتنا وأغلفة كتبنا وصفحات جرائدنا بأكبر بنط، رقم لابد أن نحفره فى القلب والعقل، رقم يجب أن يستفز مشاعرنا وعواطفنا وأفكارنا وجهودنا، خاصة حين نعلم أن هذه الأفدنة الثلاثة والنصف هى من أجود الأراضى الزراعية وأكثرها خصوبة فى منطقة الدلتا. إنه تفريط غير مسبوق لم تفعله دولة فى العالم على مر التاريخ، لم يحدث أن أكلت دولة من لحمها الحى بهذا الشكل، واستنزفت دمها وجهاز مناعتها بمثل هذه القسوة والغلظة والشراسة، لم يحدث على مر التاريخ أن يدمر أبناء شعب بلدهم بهذا الأسلوب المثير للحزن والغضب، لم يحدث أن تحول شعب إلى جراد يلتهم أرضه الزراعية بهذه السرعة السرطانية ويتعدى عليها ويحولها إلى كتل خرسانية صماء تصادر الخضرة والنماء والحياة.

هذا الرقم المرعب نشرته السكرتارية التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وكانت قد نشرت عدة أرقام فى السبعينيات، كان لابد أن تستفز كل مصرى وتجعله يخرج من شرنقة أنانيته للتفكير فى مستقبل أولاده وأحفاده حتى لا يتحول الوطن بعد فترة إلى صحراء أو جبلاية، نتقافز فيها ونتقاتل من أجل لقمة غذاء أو شربة ماء، الأرقام التى أُعلِنت هى: أن مصر تحتوى على حوالى ٨٦% من الأراضى شديدة القحولة، و١٤% أراض قاحلة و٤% فقط هى الأراضى الزراعية الخصبة، مصر هى أولى دول العالم صحراوياً، وتمثل مساحة الصحراء بها ٩٦%، كمية الأمطار التى تسقط على سواحل مصر الشمالية قلت منذ ٤ سنوات، فأصبحت ٨٠ ملم بعدما كانت ١٥٠ملم وتأثرت الزراعات القائمة على الأمطار وبالتالى الأراضى، الانتهاكات البشرية التى زادت بوضوح مع ارتفاع الكثافة السكانية التى وصلت إلى ٨٥ مليون نسمة، ٩٥% منهم يعيش فى أراضى الوادى والدلتا. قال د. محمد يحيى، رئيس مركز بحوث الصحراء إن «جملة المستقطع من الأراضى الزراعية يتجاوز (٣٠) ألف فدان سنويا، وكانت جملة المستقطع من الأراضى الزراعية فى السنوات العشر الأخيرة أكثر من ١.٥مليون فدان، بالإضافة إلى تعرض التربة، خاصة فى مناطق الوادى والدلتا، إلى ملوثات الصرف وآلاف الأطنان من المخلفات الزراعية والصناعية التى تحرق وتدفن بها سنويا، مما يؤدى إلى نضوب الأراضى الزراعية والأراضى القابلة للزراعة، بالإضافة إلى الرعى الجائر والقطع الجائر للأشجار».

ما الحل أمام أصعب رقم فى مصر؟ ما إحساسنا أمام مثل هذه الأرقام الكوارث ونحن نناقش ونهتم بمسائل تافهة أخرى ونهمل العمل والإنتاج أمام مطالب فئوية مؤقتة سرعان ما تتبخر ولا تساهم إلا فى مزيد من انتفاخ وتعاظم ورم البطالة على حساب الجسد الأساسى الوطنى الذى يئن؟!.. هل فكرنا فى حل؟ هل من استغل الانفلات الأمنى وركب الثورة وبنى طوباً أحمر وخرسانة رمادية مكان الخير الأخضر، مستغلاً غفلة الأمن وحالة السيولة والانفلات، هل هذا البنى آدم يستحق لقب مواطن مصرى شريف؟ إنه مجرم سفاح ينظر إلى المكسب القريب ولا يرى أبعد من أنفه ويغتال البلد بسكين بارد. نحن نعانى تصحراً فى الأرض وفى الفكر أيضاً، وهذه هى المصيبة الأخطر.